ها أنا أمّاه أصبحت أمّا تربعت عرشي وجاورت سيّدا لي أحبّني فكنت له أمة وأحببته فكان لي عبدا ..
هاهي صغيرتك ذات الدموع اللؤلؤية تهرم في يومها ألف مرّة ومرّة وفي عمرها الذي امتّد امتداد مملكتها الصغيرة تحيا ألف حياة ..تكابد تعاند تحاول دائما الصمود ..
هاهي أمّاه صغيرتك تذوّقت معنى أن تكون زوجة ومعنى أن تكون ملكة لهذه المملكة ..فما وجدت أحلى ولا أجمل من أن تكون أمّا ..
فكنت أمّا ..وكنت أنت دائما معي ..
كنت معي عندما انتزعوا صغيرتك من حضنك الدافيء وروضك العابق فلا كفّا تمسح لي دمعا ولا أنساما تزيل لي همّا ..ولا لهفة تكفّ البأس عنّي وتواري عثراتي وزلّاتي ..
كنت أمّاه معي في كل صرخة ألم كتمتها في صدري وكبتّها في داخلي حتى حلّ بصخبه الطفولي مستأذنا بالقدوم... بالحياة.... بأن يكون خارج أحشائي ..
كم آوجعني ..كم ....
وكم ذكرتك ..
كنت أمّاه معي كلما أقضّ مضجعي غير عابيء بحالي عكّر عليّ صفو حياتي وأسرني بصحبته الشقيّة أينما اتجهت ..تقيّدني كفّه الصغيرة في كل آن وكل حين ..واصبح الآمر الناهي إذا بكى أيقظنا وإذا اشتكى أربكنا وإذا جاع أقلقنا ..وإذا ضحك أسّرّنا وأسعدنا ..وإذا نام وغفا استعبدنا بهدوءه الساحر ..هكذا كان هذا الكائن الذي كنته في يوم من الأيّام …
و…ذكرتك أمّاه ..كنت معي وذكرتك ..
وكبرت مملكتي ..واتسعت ..فمضيت أسعى في مناكبها ..وأعمرها ..أثبّت أركانها وألفّها بأسوار منيعة خشية عليها ..كابدت أمّاه وأنا أتمزّق باشلائي التعبة لأحظى برضا هذا أو هذا أو ذاك ....ونثرت في أروقتها الحب والعطف والدفء و الحنان الذي أعطيتنيه أمّاه يوما ..واختزنته .وكم ..وكم ذكرتك .
ذكرتك أمّاه وكنت معي في كل لحظة في كل همسة في كل قطرة دم ضخختها من سويداء قلبي لرعيتي التي استرعانيها الله كما يوما استرعاك..
ذكرتك دوما ..وأبدا ..وما هنئت بإغفاءة ولا ذقت غمضا حتى لهجت بدعاء لك
ظلموك أمّاه فقالوا اليوم عيدك...
لا تحصيك الأيام... ولا تعدّك الشهور... ولا تحيط بحنانك السنون ..
هاك أماه ..وافترشي روحي بجسدك الطيّب ..واقبلي رأسا يطأطيء ينحني يقبّل أخمص قدمك ..يرجو عفوا رضا غفرانا عن كل أف أو آه لفظها يوما ولو سرّا بحضرتك .
ظلموك أمّاه فقالوا "اليوم عيدك"